فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والجواب عن الأول: أنَّ المراد بالزوج الجمع؛ لأن الخطاب لجماعة الرجال، وكل منهم قد يريد الاستبدال، ويجوز أنْ يكون جمع؛ لأن التي يريد أنْ يستحدثها يفضي حالها إلى أن تكون زوجًا وأن يريد أن يستبدل بها كما استبدل بالأولى فجمع على هذا المعنى.
وأمَّا الإشكال الثاني ففيه جوابان:
احدُهُمَا: انَّه وضع الظاهر موضع المضمر، والأصل وآتوتموهن.
والثاني: أن المستبدل بها مبهمة فقال إحداهن إذْ لم يتعين حتى يرجع الضمير إليها، وقد ذكرنا نحوًا من هذا في قوله: {فتذكر إحداهما الأخرى} انتهى.
قال شهابُ الدِّينِ: وفي قوله وضع الظاهر موضع المضمر نظر؛ لأنَّهُ لو كان الأصل كذلك لأوهَمَ أنَّ الجميع آتوا الأزْوَاجَ قنطارًا كما لم تقدم وليس كذلك.
قوله: {أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} استفهام إنكاري أي: أتفعلونه مع قبحه، وفي نصب {بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} وجهان:
أحدهما: أنها منصوبان على المفعول من أجله أي لبهتانكم وإثمكم.
قال الزمخشريُّ: فإن لم يكن عَرَضًا كقولك: قعد عن القتال جبنًا.
وقيل: انتصب ينزع الخافض أي ببهتان.
والثاني: أنَّهُمَا مصدران في موضع الحال، وفي صاحبهما وجهان:
أظهرهُمَا: أنَّه الفاعل في أتأخذونه أي: باهتين وآثمين.
والثاني: أنَّهُ المفعول أي: أتأخذونه مبهتًا محيرًا لشنعته، وقبح الأحدوثة عنه، والتقدير: تصيبون في أخذه بهتانًا، والبُهْتَانُ فُعْلان من البُهْتِ، وهو في اللغة: الكذب الذي يواجه به الإنسان صاحبه على وجه المكابرة، وأصله من بهت الرَّجُلُ إذا تحيَّر فالبهتان كذب يحير الإنسان لعظمه ثم جُعِلَ كُلُّ باطل يتحير من بطلانه بهتانًا، ومنه الحديث: «إذا واجهت أخاك بما ليس فيه فقد بَهَتَّهُ» ولقد تقدم الكلام عليه في البقرة.
قوله: {وَقَدْ أفضى بَعْضُكُمْ} الواو للحال، والجملة بعدها: في محل نصب، وأتى بقد ليقرب الماضي من الحال، وكذلك أخذن وقد مقدرة معه لتقدم ذكرها، وأصل أفْضَى ذهب إلى فضاه أي ناحية سعته، يقال: فَضَى يَفْضُو فَضْوًا، وأفضى: عن ياء أصلها واو.
وقال اللَّيْثُ: أفْضَى فلان إلى فلان أي: وصل إليه، وأصله أنه صار في فضائه وفرجته.
وقال غيره: أصل الإفْضَاءِ الوصول إلى الشيء من غير واسطة.
قوله: {وَأَخَذْنَ مِنكُم} في منكم وجهان:
أظهرهما: أنه متعلق بأخذن، وأجاز فيه أبُو الْبَقَاءِ أن يكون حالًا من ميثاقًا قدّم عليه كأنه لما رأى أنَّه يجوز أن يكون صفة لو تأخر أجاز ذلك وهو ضعيف. اهـ. بتصرف.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (21)}
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج} قال: إن كرهت امرأتك وأعجبك غيرها فطلقت هذه وتزوجت تلك، فأعط هذه مهرها وإن كان قنطارا.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج} قال: طلاق امرأة ونكاح أخرى، فلا يحل له من مال المطلقة شيء وإن كثر.
وأخرج ابن جرير عن أنس «عن رسول الله صلى الله عليه وسلم {وآتيتم إحداهن قنطارًا} قال: ألفًا ومائتين يعني ألفين».
وأخرج سعيد بن منصور وأبو يعلى بسند جيد عن مسروق قال: ركب عمر بن الخطاب المنبر ثم قال: أيها الناس ما إكثاركم في صداق النساء، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وإنما الصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك، ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو مكرمة لم تسبقوهم إليها، فلا أعرفن ما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم. ثم نزل فاعترضته امرأة من قريش فقالت له: يا أمير المؤمنين نهيت الناس أن يزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم؟ قال: نعم. فقالت: أما سمعت ما أنزل الله يقول: {وآتيتم إحداهن قنطارًا} فقال: اللهم غفرانك...! كل الناس أفقه من عمر. ثم رجع فركب المنبر فقال: يا أيها الناس إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم، فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: قال عمر بن الخطاب: لا تغالوا في مهور النساء. فقالت امرأة ليس ذلك لك يا عمر، إن يقول: {وآتيتم إحداهن قنطارًا} من ذهب. قال: وكذلك هي في قراءة ابن مسعود فقال عمر: إن امرأة خاصمت عمر فخصمته.
وأخرج الزبير بن بكار في الموفقيات عن عبد الله بن مصعب قال: قال عمر: لا تزيدوا في مهور النساء على أربعين أوقية، فمن زاد ألقيت الزيادة في بيت المال. فقالت امرأة: ما ذاك لك... قال: ولم...؟ قالت: لأن الله يقول: {وآتيتم إحداهن قنطارًا...} الآية. فقال عمر: امرأة أصابت، ورجل أخطأ.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن بكر بن عبد الله المزني قال: قال عمر: خرجت وأنا أريد أن أنهاكم عن كثرة الصداق، فعرضت لي آية من كتاب الله {وآتيتم إحداهن قنطارًا}.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {بهتانًا} قال: إثمًا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {مبينًا} قال: البين.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الإفضاء.
الجماع ولكن الله يكني.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {وقد أفضى بعضكم إلى بعض} قال: مجامعة النساء.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا} قال: الميثاق الغليظ {إمساك بمعروف أوتسريح بإحسان} [البقرة: 229].
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله: {ميثاقًا غليظًا} قال: هو ما أخذ الله تعالى للنساء على الرجال فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان قال: وقد كان ذلك يؤخذ عند عقد النكاح آلله عليك لتمسكن بمعروف أو لتسرحن بإحسان.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن أبي مليكة أن ابن عمر كان إذا أنكح قال: أنكحك على ما أمر الله به {إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان}.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عوف قال: كان أنس بن مالك إذا زوّج امرأة من بناته أو امرأة من بعض أهله قال لزوجها: أُزَوِّجُك تمْسِكْ بمعروف أو تُسَرِّحَ بإحسان.
وأخرج ابن أبي شيبة عن حبيب بن أبي ثابت أن ابن عباس كان إذا زَوَّجَ اشتَرط {إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان}.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك {وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا} قال: {إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان}.
وأخرج ابن أبي شيبة عن يحيى بن أبي كثير. مثله. أخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد {وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا} قال: عقدة النكاح. قال: قد أنكحتك.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة ومجاهد {وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا} قال: أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس {وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا} قال: هو قول الرجل ملَّكت.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد {ميثاقًا غليظًا} قال: كلمة النكاح التي تستحل بها فروجهن.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك {ميثاقًا غليظًا} يعني شديدًا.
وأخرج ابن جرير عن بكير أنه سئل عن المختلعة أنأخذ منها شيئًا؟ قال: لا {وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا}.
وأخرج عن ابن زيد في الآية قال: ثم رخص بعد {فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة: 229] قال: فنسخت هذه تلك. اهـ.

.تفسير الآية رقم (22):

قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (22)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما كرر ذكر الإذن في نكاحهن وما تضمنه منطوقًا مفهومًا، وكان قد تقدم الإذن في نكاح ما طاب من النساء، وكان الطيب شرعًا قد يحمل على الحل؛ مست الحاجة إلى ما يحل منهن لذلك وما يحرم فقال: {ولا تنكحوا} أي تتزوجوا وتجامعوا {ما نكح} أي بمجرد العقد في الحرة، وبالوطء في ملك اليمين {آباؤكم} وبين {ما} بقوله: {من النساء} أي سواء كانت إماء أو لا، بنكاح أو ملك يمين، وعبر بما دون من لما في النساء غالبًا من السفه المدني لما لا يعقل.
ولما نهى عن ذلك فنزعت النفوس عما كان قد ألف بهاؤه فلاح أنه في غاية القباحة وأن الميل إليه إنما هو شهوة بهيمية لا شيء فيها من عقل ولا مروة، وكانت عادتهم في مثل ذلك مع التأسف على ارتكابه السؤال عما مضى منه- كما وقع في استقبال بيت المقدس وشرب الخمر؛ أتبعه الاستثناء من لازم الحكم وهو: فإنه موجب لمقت من ارتكبه وعقابه فقال: {إلا ما قد سلف} أي لكم من فعل ذلك في أيام الجاهلية كما قال الشافعي رحمه الله في الأم، قال السهيلي في روضه: وكان ذلك مباحًا في الجاهلية لشرع متقدم، ولم يكن من الحرمات التي انتهكوها.
ثم علل النهي بقوله: {إنه} اي هذا النكاح {كان} أي الآن وما بعده كونًا راسخًا {فاحشة} أي والفاحشة لا يقدم عليها تام العقل {ومقتًا} أي أشر ما يكون بينكم وبين ذوي الهمم لما انتهكتم من حرمة آبائكم {وساء سبيلًا} أي قبح طريقًا طريقه. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءابَاؤُكُمْ} شروع في بيان من يحرم نكاحها من النساء ومن لا يحرم بعد بيان كيفية معاشرة الأزواج، وهو عند بعض مرتبط بقوله سبحانه: {لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النساء كَرْهًا} [النساء: 19] وإنما خص هذا النكاح بالنهي ولم ينظم في سلك نكاح المحرمات الآتية مبالغة في الزجر عنه حيث كان ذلك ديدنًا لهم في الجاهلية. اهـ.

.اللغة:

{سلف} مضي.
{مقتا} المقت: البغض الشديد لمن تعاطى القبيح.
{ربائبكم} جمع ربيبة وهي بنت المرأة من آخر، سميت به لأنها تتربى في حجر الزوج.
{حجوركم} جمع حجر أي في تربيتكم يقال: فلان في حجر فلان إذا كان في تربيته، قال أبو عبيدة: في حجوركم أي في بيوتكم.
{حلائل} جمع حليلة بمعني الزوجة سميت بذلك لأنها تحل لزوجها.
{محصنين} متعففين عن الزني.
{مسافحين} السفاح: الزنى وأصله في اللغة من السفح وهو الصب وسمي سفاحا لأنه لا غرض للزاني إلا سفح النطفة وقضاء الشهوة.
{طولا} سعة وغنى.
{أخدان} جمع خدن وهو الصديق للمرأة يزني بها سرا.
{العنت} الفجور واصله الضرر والفساد.
{سنن} جمع سنة وهي الطريقة.
{نصليه} ندخله. اهـ.